الأربعاء 08 يناير 2025

كتاب كليله و دمنه

انت في الصفحة 1 من 8 صفحات

موقع أيام نيوز

كتاب كليلة ودمنة
قال علي بن الشاه الفارسي كان السبب الذي من أجله وضع بيدبا الفيلسوف الهندي لدبشليم ملك الهند كتاب كليلة ودمنة أن الإسكندر ذا القرنين الرومي لما انتصر على الملوك الذين كانوا بناحية المغرب سار يريد ملوك المشرق من فرس وغيرهم. فلم يزل يحارب من نازعه ويواقع من واقعه ويسالم من وادعه من ملوك الفرس وهم الطبقة الأولى حتى ظهر عليهم وقهر من ناوأه وتغلب على من عاداه فتفرقوا طرائق وتمزقوا خرائق فتوجه نحو بلاد الصين فبدأ بملك الهند ليدعوه إلى طاعته والدخول في ملته وولايته. وكان على الهند في ذلك الزمان ملك ذو سطوة وبأس ومنعة ومراس يقال له فورك. فلما بلغه إقبال ذي القرنين نحوه تأهب في التألب عليه وجمع له العدة في أسرع مدة من الفيلة المفرزة للحروب والسباع المضراة للوثوب مع الخيل المسومة والرماح المقومة والسيوف القواطع والحراب اللوامع.

محاربة الاسكندر ذي القرنين لملك الهند
فلما قرب ذو القرنين من فورك الهندي وبلغه ما قد أعد له من الخيل التي كأنها قطع الليل مما لم يلقه بمثله أحد ممن كان يقصده من الملوك الذي كانوا في الأقاليم تخوف من تقصير يقع به إن عجل المبارزة.
وكان ذو القرنين رجلا ذا حيل ومكايد مع حسن تدبير وتجربة فرأى بعد إعمال الحيلة التأهب والترفق. فاحتفر خندقا على عسكره وأقام بمكانه لاستنباط الحيلة والتدبير في أمره وكيف ينبغي الإيقاع بهذا الملك. فاستدعى بالمنجمين وأمرهم باختيار يوم ووقت تكون له فيه سعادة لملاقاة ملك الهند والنصرة عليه. فاشتغلوا بذلك. وكان ذو القرنين لا يمر بمدينة إلا أخذ المشهورين من صناعها بالحذق من كل صنف. فنتجت له همته ودلته فطنته أن يتقدم إلى الصناع الذين معه بأن يصنعوا له خيلا من نحاس مجوفة عليها تماثيل من الرجال على بكر تجري به وإذا دفعت مرت سراعا. وأمر إذا فرغوا منها أن تحشى أجوافها بالنفط والكبريت وأن يلبس الفارس آلة الحړب ويقدم ذلك أمام الصف في القلب وقت ما يلتقي الجمعان لتضرم فيها النيران. فإن الفيلة إذا ألقت خراطيمها على الفرسان وهي حامية جلفت. وأوعز إلى الصناع بالتشمير والفراغ منها. فجدوا في ذلك وعجلوا.
وقرب أيضا اختيار المنجمين لليوم. فأعاد ذو القرنين رسله إلى فورك ملك الهند يدعوه إلى طاعته والإذعان لدولته. فأجاب جواب مصر على مخالفته مقيم على محاربته.
فلما رأى ذو القرنين عزيمته سار إليه بأهبته وقدم فورك الفيلة أمامه ودفعت الرجال تلك الخيل النحاس وعليها التماثيل كالفرسان فأقبلت الفيلة نحوها وألقت خراطيمها عليها. فلما أحست بالحرارة ألقت من كان عليها من الرجالة المقاتلة وداستهم تحت أرجلها ومضت مهرولة هاربة لا تلوي على شيء ولا تمر بأحد إلا وطئته. وتقطع فورك وجمعه وتبعهم أصحاب الإسكندر وأثخنوا فيهم الجراح. وصاح الإسكندر يا ملك الهند ابرز إلي وابق على عدتك وعيالك ولا تحملهم على الفناء. فإنه ليس من السياسة أن يرمي الملك عدته في المهالك المتلفة والمواضع المجحفة بل يقيهم بماله ويدفع عنهم بنفسه. فابرز إلي ودع الجند فأينا قهر صاحبه فهو الأسعد.
فلما سمع فورك من ذي القرنين هذا الكلام دعته نفسه إلى ملاقاته طمعا فيه فسارع إليه وظن ذلك فرصة. فبرز إليه الإسكندر فتجالدا على ظهري فرسهما ساعات من النهار ليس يلقى أحدهما من صاحبه فرصة ولم يزالا يتعاركان. فلما أعيا الإسكندر أمر فورك ولم يجد له فرصة ولا حيلة أوقع بعسكره صيحة عظيمة ارتجت لها الأرض والعساكر. فالټفت فورك عندما سمع الزعفة وظنها مکيدة وقعت في عسكره فعاجله ذو القرنين بضړبة أمالته عن سرجه وأتبعها بأخرى فوقع إلى الأرض. فلما رأى الجند ما نزل بهم وما صار إليه ملكهم حملوا على الإسكندر فقاټلوه قتالا شديدا أحبوا معه المۏت.
فوعدهم من نفسه بالإحسان ومنحه الله أكتافهم. فاستولى على بلادهم وملك عليهم رجلا من ثقاته وأقام بالهند حتى استوثق له ما يريده من أمورهم واتفاق كلمتهم. ثم انصرف من الهند وخلف ذلك الرجل عليهم ومضى متوجها نحو ما قصد له.
فلما بعد ذو القرنين عن الهند بجيوشه تغير الهنود عما كانوا عليه من طاعة الرجل الذي خلفه عليهم وقالوا

انت في الصفحة 1 من 8 صفحات